زمن الكراهية
قطفت وردة حمراء من حديقتي عبرت البوابة الخضراء و سرت في ممر ليس بطويل و شجيرات الكرز على يميني و يساري
خلفت أوراقا ذابلة ورائي و ركبت سيارتي السوداء بزجاجها الأسود الداكن
و ابتعدت عن سور بيتنا الواسع و بجانبي أخي و بعض حقائبي
و الجريدة
فتحت أولى الصفحات وجدتها كلها انفجارات و حوادث
قلبت الصفحة وجدتها وفيات و أعياد ميلاد و فرح مختلط بحزن و باقي الصفحات سياسة و صفحتين كلام في الحب
و آخر سطر وجدته في الجريدة بدأ به في مقالة طويلة عريضة بسم الله الرحمان الرحيم وسط زحمة من الأفكار المتناقضة
و فلسفات عديمة الرؤى و الأهداف
مللت و زادت خيبة أملي فتحت المذياع كالعادة صافحت أذني قطعة موسيقية على أوتار العود الأصيل هدأت أفكاري
و تشوُش ذهني إلى أن فاجأتني المذيعة بنشرة الأخبار حينها هيأت نفسي لسماع التعازي و الأحكام الليبرالية
و الجزء البسيط يبقى لمدح الدكتاتورية أما الثواني الأخيرة تترك للمجهول
و تختم بـ أستودعكم الله و في أمان الله ... بعد فوضى عارمة يحكمها دستور الأنا
استنشقت هواء الصباح المنعش بعد أن فتحة نافذة السيارة و لامست أشعة الشمس خصلات صغيرة من شعري
أرادت التحرر من سجن عباءتي..تركتها تتمايل مع هبات النسيم لبضع دقائق ثم سرحتها بيدي و لجمت تمردها
أوقف أخي السيارة أمام باب المدفن .. سلام عليكم انتم السابقون و نحن اللاحقون ..
سلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته..
السلام عليكم أهل الديار ، من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المُستقدمين منا
و المستأخرين وإنا ، إن شاء الله بكم للاحقون
و في خطوات متثاقلة دخلنا و عبرنا طريقا طويلة مليئة بأشجار الصنوبر .. خشعت أبصارنا ..
و ذلك السكون و السكوت المخيف كوحشة القبر و ظلمة الليل .. تعلقت بذراع أخي من شدة البرد
و أكملنا المسير في هدوء و ألسنتنا تردد التسبيح و الدعاء
خانتني دموعي و أنا اقرأ ما كتب على كل قبر في شاهده "توفي المغفور له يوم كذا و كذا و ولد يوم كذا و كذا"
و في بعض الأحيان أرى تاريخ ميلادي ينتهي بسنين ماضية مكتوبا على بعض القبور.. رأيت قبور الأطفال الصغار
اصغر من عش اللقلق و قبورا انشقت و حفرت و تزعزعت .. و قبورا نسيت حتى ملأتها الأشواك و أناس تبكي في سكوت
و أناس تندب و تنوح و امرأة تبكي زوجها و تقول " اشتقت إليك يا سندي .... رحلت و تركتني أقاسي ظلم أولادي
و جشعهم و طمعهم .... لا تعليق
أكملنا الطريق و فجأة داعبت رائحة المسك و العنبر انفي ..قبور تفوح منها رائحة المسك و العنبر
لا يوجد فيها احد و لم يزرها بعد احد فسبحان الله العظيم
و غراب أسود كالليل حط على قبرٍ و بكى .. و .. و ..
فجأة أحْسَسْـتـني روحا تلبس ثوب الأحياء ... استدرت يمينا فلم أرى إلاّ .. و استدرت يسارا فلم أرى إلاّ .. القبور
أحْسَسْـتـني وحيدة بعد أن فلت أخي يدي و أسرع إلى قبر جدي فلحقته بسرعة و وقفت بجانبه
و أمسكت بالمصحف الكريم و رتلنا سورة يس إلى أواخرها
سلام عليك يا جدي و رحمة الله تعالى و بركاته إن لله و إن إليه راجعون .. زارني جدي في منامي قبل رحيل جدتي
اللهم اغفر لهما و ارفع درجتهما في المهديين واخلفهما في عقبهما في الغابرين واغفر لنا
و لأموات المسلمين يا رب العالمين و أفسح
لهم في قبورهم ونور لهم فيه
و انهينا الزيارة و رجعنا..و خلفت ورائي عالما آخر .. عالم هادئة أركانه صوت أشجاره و حفيف أوراقه .. ترابه و سكونه و سر أنقاضه
و عدت لعالم الجماد و الحيوان و البشر و .. .. ..
عالم الاستفهام و التعجب
و التأمل
جف قلمي و خانتني كلماتي
و جعلت الصمت لغتي
فسبحان الله العلي العظيم
.
.
اللهم اغفر لحينا و ميتنا وشاهدنا و غائبنا
، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأُنثانا ،
اللهم من أحييته منا
فأحييه على الإسلام ،
ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ،
اللهم لا تحرمنا أجره
و لا تضلنا بعده
اللهم آمين